هل أمريكا مختطفة؟

هل أمريكا مختطفة؟

العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل جدلية ومثيرة للاستغراب، بل وتحتاج لمزيد من الدراسة والتعمق في التحليل، فمنذ تأسيس إسرائيل 1948 يتجنّب رؤساء الولايات المتحدة الاصطدام بزعمائها على الرغم من عدوانيتهم السافرة ضد الدول العربية، ومن المسلّم به أن النفوذ الصهيوني في الولايات المتحدة مسيطر ومتغلغل داخل الأروقة السياسية والاقتصادية بل وحتى الإعلامية الأمريكية، ويزخر التاريخ الحديث بالكثير من الأحداث التي تدل على عمق العلاقة التي تجمع بين الدولتين على الرغم من خلوها من أي نوع من التقارب الفعلي، فلكل دولة منهم تاريخ ولغة وديانة ودستور يختلف عن الأخرى تماماً.

من الواضح تماماً أن اللوبي الصهيوني يعمل طول الوقت جاهداً للضغط على الإدارة الأمريكية لمنعها من توجيه اللوم لإسرائيل، أضف إلى ذلك فإن الولايات المتحدة تقوم بتزويد إسرائيل بأحدث التقنيات العسكرية والاستخباراتية التي تضمن لها تفوقها على العرب، وأكثر من ذلك فهي تقوم بتقديم المنح والإعانات لها والتي يستخدم جزء منها لبناء المستوطنات على الأراضي المحتلة (برغم أن ذلك مخالف للأعراف الدولية) فإسرائيل كانت ولاتزال طفل الولايات المتحدة المدلل المستثنىَ من أي معاهدة دولية.

من المؤكد أننا سنخطئ كثيراً لو حاولنا التقليل من شأن وأهمية هذا اللوبي في الولايات المتحدة، ولعل أشهر أمثلته منظمة أيباك التي تعد أحد أقوى مجموعات الضغط التي تدافع عن السياسات المؤيدة لإسرائيل لدى السلطتين التشريعية والتنفيذية في الولايات المتحدة، فهذه المنظمة قادرة على حشد الأصوات الانتخابية والتأثير في الرأي العام الأمريكي من خلال امتلاكها للعديد من المنابر الإعلامية واسعة الشهرة، وهي قادرة على فبركة الحقائق أو اجتزائها أو تضخيم البعض منها وتجاهل الآخر، على نحو يجعلها قادرة على تشكيل الرأي العالم الأمريكي، كما أنها قادرة على التأثير في العملية الانتخابية على النحو الذي تراه يخدم مصالحها ويحقق أهدافها، وفي نفس الوقت لديها من الإمكانيات ما يجعلها قادرة على تهميش الأصوات المناوئة لها والتقليل من أثرها.

ومن الجلي أن أي إدارة أمريكية تماطل قليلاً في تحقيق مصالح إسرائيل أو تقوم بتوجيه النقد العلني لسياساتها الهمجية تتم معاقبتها على الفور، حيث يتم على الفور الحشد للتصويت للمرشح أو للحزب المناوئ، وهذا ما يدفع بعض رؤساء الولايات المتحدة إلى عدم الصدام مع إسرائيل من الأساس، ويذكر جوزيف سيسكو مبعوث الرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون في لقاء تلفزيوني أن الرئيس أرسله إلى رئيسة الوزراء الإسرائيلية الأسبق جولدا مائير، وطلب منه الضغط عليها لإعادة الأراضي المحتلة عام 1967، ولكن «بشرط» ألا يحدث ذلك شرخاً في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية.

وفي سياق آخر.. وبعد حرب الخليج الثانية قام الرئيس جورج بوش الأب بالضغط على إسرائيل لقبول السلام مع الفلسطينيين، وكان رد الحكومة الإسرائيلية بزعامة شامير هو البدء على نطاق واسع في بناء العديد من المستوطنات داخل نطاق الأراضي المحتلة، مما حدا بالرئيس بوش لأن يجمد المساعدات المالية لإسرائيل مما جعله عرضة لضغوط منظمة الأيباك، لكن الرئيس الأسبق هدد باستخدام حق الفيتو لمنع أي قرار للكونجرس لتمرير هذه الإعانات، وهو ما تسبب في خسارته الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية.

من المؤكد أن ما ذكرناه لم يكن أكثر من استرجاع سريع لبعض الأحداث التاريخية وذكر أشهر الأمثلة الدالة على قوة نفوذ وسيطرة اللوبي الصهيوني، ويذخر التاريخ بالعديد والعديد من الأمثلة المشابهة التي لم يتسع الحديث لذكرها في هذا الحيز المحدود، ولعل أهمها ما يحدث الآن في الأراضي الفلسطينية من مجازر مروعة ومذابح دموية ترتكبها القوات الإسرائيلية بحق سكان شعب غزة العزل، والذين قتل منهم حتى لحظة كتابة هذه السطور ما يزيد على الثلاثين ألف فلسطيني.

مع ذلك فدولة إسرائيل تتلقى كل الدعم والحماية من الإدارة الأمريكية رغم بعض مواقفها الصورية (كالامتناع مؤخراً عن التصويت بشأن قرار وقف إطلاق النار في غزة)، فالولايات المتحدة فعلياً ترفض حتى توجيه اللوم الحقيقي لإسرائيل أو حتى مطالبتها بجدية بوقف إطلاق النار، وكأنها تمنحها -على أرض الواقع- الضوء الأخضر للاستمرار في عملية حصد أرواح الفلسطينيين دون أدنى مساءلة.